في هذا الحوار، يتحدث هيكل عن خطايا النظام السابق، بعد أن أبعده هذا النظام وعتم عليه لسنوات طويلة.
يقول هيكل، البالغ من العمر 87 عاما، إن "مبارك خان روح الجمهورية، وبعدها أراد استكمال الخيانة من خلال نجله جمال"، مضيفا "لقد كانت خطة، مشروع بأكمله وليست مجرد فكرة، هذا البلد ضاع منه آخر 10 سنوات، بسبب مسألة التوريث، وكأن مصر هي سوريا أو هاييتي".
أهم ما يميز هيكل أنه يتمتع بذاكرة حادة، وتحليل سياسي ثاقب، كما كان هيكل واحدا من أهم رجال الدولة في عصر كل من الرئيس جمال عبد الناصر وأنور السادات، كان هيكل متنبئا بانفجار حتمي في مصر، تحت وطأة فساد وعنف نظام مبارك.
ورغم أن ذاكرة هيكل وتحليلاته، تجعل جمهوره من كل الفئات وخاصة الشباب منهم في حالة سكون تام، وهم يصغون إليه، فإن أكثر ما يندم هيكل عليه هو فقدانه شبابه، إذ أكد أنه كان يتمنى لو شارك شباب الثورة، ونزل معهم إلى ميدان التحرير.
ورغم توقعه للثورة منذ زمن، فإن هيكل دهش عندما رأى الملايين تتحرك، وقال إنه لم يكن متأكدا إذا كان سيعيش ليشهد تلك اللحظة، كان هيكل خائفا من احتمالات الفوضى، لكنه أضاف "جيل مصر الجديد كان أكثر حكمة منا بمليون مرة، تعاملوا بتحضر وبوعي وذكاء، فلم يحدث الانفجار".
وأشار هيكل إلى قلقه الآن بسبب "عدم استعداد أحد للخطوة القادمة، فقد حدث كل شيء فجأة في الأيام الماضية، لا أحد يريد للجو أن يهدأ، الكل لديه توقعات وآمال عريضة، وفي ظل هذه الظروف، يصبح اتخاذ القرارات الصائبة صعبا"، وأوضح أن هناك ضغطا من أمريكا وإسرائيل، وحتى من الدول العربية على مصر، بالرغم من أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة نفسه لم يكن مستعدا لما حدث.
"مبارك وضعنا كلنا في حالة ترقب، كأنه في فيلم لألفريد هيتشكوك، لكن مبارك كان يرتجل بدون حبكة، كثعلب كبير"، بحسب وصف هيكل، وقال إنه لم يصدق أذنيه عندما سمع خطاب مبارك يوم الخميس، لأنه على ما يبدو أن النظام كان يعتقد أنه بمجرد تفويض السلطات لعمر سليمان نائب الرئيس السابق، سيرحل المحتجون من الميدان.
وأشار هيكل إلى أنه كان راضيا عندما ظل مبارك صامتا في بداية احتشاد المحتجين في ميدان التحرير، كان يحاول المراوغة كالثعلب، لكن هذا أعطى الفرصة لزيادة أعداد المحتجين، لقد بدأ العدد في الميدان بحوالي 50 إلى 60 ألف متظاهر، ووصل الأمر بهم خلال 18 يوما إلى ملايين، صمت مبارك غير المعادلة كلها، لأنه بدا وكأنه لم يفهم الموقف بأكمله حتى مرور أول 6 أيام في الثورة.
ووصف الكاتب الكبير الثورة المصرية بأنها "مأساة تاريخية"، في إشارة إلى المئات من الشهداء الذين سقطوا، مؤكدا سعادته لوجود الجيش، لكن المهم هو وجود الناس، الذين ما زالوا متحيرين ومندهشين مما حققوه مؤخرا.
يقول هيكل "الفرق بيني وبين مبارك، هو أنني لم أحاول أبدا إخفاء عمري الحقيقي، مبارك كان يصبغ شعره ليرى شابا كل مرة ينظر فيها إلى المرآة، لكن كل الشيوخ يكابرون"، وأضاف، "مبارك كان مرعوبا من كشف الملفات الرسمية في حال تنحيه، ومن أن يتم كشف أسرار النظام".
لكن هيكل أعرب عن خوفه من أن يسيء بعض السياسيين إلى هذا الحدث القيم، مؤكدا أنه يريد كشف كل الملفات للتحقيق بنزاهة فيها، بدافع الشفافية، وليس الانتقام، على ألا يتم تركها لبعض الأفراد لاستخدامها فيما ينفع مصالحهم فقط.
ووصف هيكل أحداث الثلاثة أسابيع الماضية بأنها "ساحقة، لا يمكن الوقوف أمامها، ولم يسبق لها مثيل"، وأضاف "في الثورات، لا يوجد شكل محدد، كل الناس تريد التغيير من الحاضر إلى المستقبل، كل ثورة لها ظروفها بالنسبة لمكان بدايتها وشكل تحركها، لكن الثورة في مصر بينت أن أعدادا ضخمة من المصريين يمكنها هزيمة الرعب الذي خلقه النظام"، مشددا على أن هذا سيغير العالم العربي جذريا.
كانت فكرة هيكل عن مبارك جيدة في بداية توليه الرئاسة، فقد أفرج مبارك عن المعتقلين منذ أيام السادات، وكان منهم هيكل نفسه، كما أنه كان رجلا من المؤسسة العسكرية، وهي تحظى باحترام وشعبية بين المصريين، وظن هيكل أن مبارك الذي شهد مقتل السادات على يد شعبه سيتعلم الدرس التراجيدي، أن المصريين عندما يفقدون صبرهم، ينفجرون، وظن هيكل أيضا أن مبارك رجل مؤمن بروح الجمهورية، وسيكون جسرا جيدا للمستقبل، لكنه لم يكن.
يشرح هيكل: "عندما قرر عبد الناصر التنحي بعد هزيمة 1967، أثبت الشعب أنه أقوى من النظام وأعادوه إلى الحكم، والآن أصبح الشعب أكبر من النظام نفسه. لكن الجميع ينسى هذه الحقيقة بمجرد اعتلاء السلطة والهدوء المصاحب لذلك، وبمرور الأيام تنسى قوة شعبك، وتقبض على السلطة أكثر".
وختم هيكل حواره قائلا: "الآن لدينا أنصاف سياسيين يريدون استغلال الثورة، ومنهم من بدأ بالفعل في الترويج لأنفسهم، لكن النظام يجب أن يتغير، الشعب المصري أوضح جيدا ما يريد، يريدون شيئا مختلفا".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق