02 أكتوبر 2011

الشبّيحة فى بر مصر ...بقلم :فهمي هويدي


تصدمنا واقعة اقتحام مكتب الجزيرة مباشر فى القاهرة مرتين. مرة لأن الاقتحام حدث فى بلد شهد لتوه ثورة ضد الاستبداد ومصادرة الحريات العامة، ومرة ثانية لأن الاقتحام تم بطريقة فجة، توحى بأن الذين رتبوه افتقدوا إلى الحد الأدنى من الكياسة والذكاء، حتى قلت إن مثل هذه التصرفات حين تحدث فى ظل الثورة، فإن خصومها لن يكونوا بحاجة للتآمر عليها. كما أن «الفلول» لابد أن يهدأوا بالا وينصرفوا إلى أعمالهم الخاصة. لأن غيرهم يقومون باللازم فى تشويه الثورة والتشهير بها.

لقد ذكرتنى عملية الاقتحام بما يفعله البلطجية فى مصر و«الشبيحة» فى سوريا. فالأولون لا يعترفون بالقانون، والآخرون ينتسبون إلى النظام ويعملون لحسابه. وما جرى جمع بين الصفتين. صحيح أن الذى يقع بين أيدى الشبيحة فى سوريا يذهب إليهم ولا يعود، وأن من ذهب مع شبيحة مصر عاد إلى بيته بعد حين، ألا إن ذلك يعنى أن الاختلاف ينصب على مدى القمع ودرجته فقط، وليس فى نوعه.

إذا افترضنا أن مكتب القناة ارتكب مخالفة قانونية، فهناك أكثر من وسيلة متحضرة ومحترمة لحساب المسئولين عنه. ولم يكن الجهاز الأمنى المختص بحاجة إلى الاقتحام وكسر الأبواب وترويع العاملين فى القناة واختطاف بعضهم. وما كنا بحاجة إلى الفضيحة التى سجلت بالصوت والصورة، وعممت على أنحاء العالم. لكن المدهش فى الأمر أن «الغارة» استهدفت مكتبا للقناة تحت الإنشاء، بمعنى أنه لا توجد فيه سوى أدوات النجارة والطلاء والأسلاك الكهربائية، وأشياء أخرى تافهة، لا تستحق أن توجه إليها حملة ضمت خمسة عشر ضابطا وجنديا يرتدون الثياب المدنية. وهو مايعنى أنه لم تكن هناك حملة ولا يحزنون، ولكن الجهة الأمنية المجهولة التى أرسلت «الجماعة» أرادت أن توجه إلى القناة رسالة تكدير وتحذير قبل جمعة «استرداد الثورة» بذلك الأسلوب البدائى و«الغشيم». لم يدهشنى الذى حدث وحده. لكننى استغربت أيضا أن وزير الإعلام التزم الصمت ولم يتفوه بكلمة. رغم أن الذى حدث ينال من سمعته وهيبته وكرامته.

لقد شاءت المقادير أن يتزامن حدوث الاقتحام مع بث الشريط الذى رأينا فيه بعضا من ضباط الشرطة والجيش تجمعوا حول اثنين من البلطجية المقيدين. وانهالوا عليهما بالصفع والضرب، واستخدم أحدهم صاعقا كهربائيا فى التنكيل بهما. وهو الشريط الذى بثته معظم البرامج الحوارية، وشاهده كل متابعى «اليوتيوب»، وقيل لنا إن الرجلين دأبا على ترويع الأهالى الذين فرحوا حين لاحقتهما الشرطة ونجحت فى إلقاء القبض عليهما. وقد حاولت بعض التعليقات أن تقنعنا بأنهما يستحقان ما نزل بهما، وليسا جديرين بأى شفقة أو رحمة، وهو منطوق أوافق عليه تماما، بشرط واحد هو أن تمارس تلك الشدة بالقانون وفى حدوده. ذلك أننى أخشى إذا أيدنا مثل هذه التصرفات بدون تحفظ أن نهدر فكرة القانون، وأن يخرج علينا أحد المتحمسين ذات يوم ليعلن أن القانون فى إجازة ــ كما قيل فى خمسينيات القرن الماضى ــ فيكون ذلك إيذانا بالانتقال من الاحتماء بقوة القانون إلى الخضوع لقانون القوة، الذى هو قانون الغابة.

ما تمنيت أن أرى بعض ضباط الجيش فى المشهد، وأحزننى أن يقود حفلة الصفع بعض ضباط الشرطة. وأدهشتنى مسألة استخدام الصاعق الكهربائى فى التنكيل بالرجلين. لا أنكر أن قرار المشير محمد حسين طنطاوى بالتحقيق مع الضباط أثلج صدرى، لكنه لم ينسنى منظر الرجل الذى ظل ينتفض كلما مس الصاعق أذنه. ولم يغير رأيى فى أن المشهد ينتمى إلى عصر تجاوزناه ولا نريد أن يذكرنا أحد بأساليبه أو سياساته أو حتى شخوصه.

إذا لم يكن القانون كافيا لردع أمثال هؤلاء فلنعدّله، وإذا كان ضروريا إكراه المتهمين على الاعتراف، فليحدد القانون ما يجوز وما لا يجوز من أساليب الإكراه. لكننا ينبغى أن نغلق تماما باب التصرف خارج القانون مهما تكن الذريعة.

جدير بالذكر فى هذا الصدد أن وزير الداخلية الحالى اللواء منصور العيسوى دائم التحدث عن ضرورة الالتزام بالقانون. وقد قيل لى إن مداخلاته فى اجتماع مجلس الوزراء يركز أغلبها على هذه النقطة. أدرى أن مهمته فى إصلاح جهاز الشرطة صعبة للغاية، لكنه يستطيع أن يوقف التعذيب ويمنعه. وبوسعه مصادرة أدوات التعذيب من أقسام ومقار جهاز الأمن الوطنى. أما إذا كان غاية ما يملكه أن يمنع إدخال الهواتف المحمولة إلى مقار الشرطة وحظر تصوير التعذيب، فأشرف له أن يستقيل من منصبه وأن يترك المهمة لغيره

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق