حين تبنى مجلس الشعب بالإجماع بيان لجنة الشئون العربية الذى صدر فى أعقاب الغارات الإسرائيلية على غزة، ودعا إلى تبنى موقف مصرى حازم إزاء تلك الجريمة، تباينت ردود الأفعال فى داخل مصر. إذ فى حين جاء البيان معبرا عن مشاعر الشارع المصرى فإن بعض شرائح النخب انتقدت البيان بين من اعتبره «جعجعة» تعيدنا إلى خطاب الستينيات، ومن اعتبره إخلالا باستحقاقات معاهدة السلام مع إسرائيل. والأولون لا كلام لنا معهم. لأن أغلبهم من فريق التطبيع الذين تلوثت مداركهم ولم يعد يجدى معهم أى حوار. أما الآخرون فبينهم أناس محترمون لديهم وجهة نظر تستحق المناقشة. من هؤلاء السفير المخضرم إيهاب وهبة، الذى نشرت له جريدة «الشروق» مقالة فى 17 مارس الحالى تحت عنوان «حتى لا يحرفنا الحماس بعيدا عن مبتغانا».
كان بيان لجنة الشئون العربية الذى صدر فى 12/3 قد ركز على عدة نقاط هى:
ــ إن مصر الثورة لن تكون أبدا صديقا أو شريكا أو حليفا للكيان الصهيونى الذى نعتبره العدو الأول لمصر ولأمتنا العربية.
ــ إن الحكومة المصرية مطالبة بمراجعة كل علاقاتها واتفاقياتها مع هذا العدو وما تمثله من مصادر تهديد حقيقية للأمن والمصالح الوطنية المصرية.
ــ المطالبة بطرد السفير الإسرائيلى من مصر، وسحب السفير المصرى من تل أبيب، ووقف تصدير الغاز المصرى لهذا الكيان، وتجميد العمل باتفاقية الكويز وشروطها المجحفة بالسيادة والمصالح الوطنية المصرية.
ــ تبنى خيار المقاومة بكل أنواعها وأشكالها، العودة إلى تفعيل سياسة المقاطعة العربية الشاملة للكيان الصهيونى.
فى تعليقه على البيان لم يخف السفير إيهاب وهبة إدانته «للأعمال الإجرامية» التى تقوم بها إسرائيل، لكنه فرق بين مستويين من الإجراءات فى الرد على العدوان الإسرائيلى:
مستوى يتعلق بحق مصر فى ممارسة سيادتها (مثل سحب السفير أو تجميد اتفاقية الكويز أو وقف تصدير الغاز). أما المستوى الآخر فيتعلق بالتزامات مصر الدولية التى سبق تحصينها آنذاك بموافقة مجلس الشعب وبالاستفتاء العام. والتحفظ الذى أبداه السفير وهبة انصب على ذلك المستوى الثانى، حيث اعتبر أن بعض ما دعا إليه بيان لجنة الشئون العربية يتعارض مع نصوص واستحقاقات معاهدة السلام مع إسرائيل التى وقعت فى عام 1979.
تعليقى على مقالة السفير إيهاب وهبة يتلخص فيما يلى:
ــ إن بيان لجنة الشئون العربية تحدث عن «مصر الثورة» التى يفترض أنها مختلفة عن مصر مبارك. ومن حقها أن تتعامل بطريقة مختلفة مع تعهدات العصر الذى انقلبت عليه، علما بأن البيان لم يتحدث عن خرق أو إلغاء معاهدة السلام، وإنما دعا إلى مراجعة علاقاتها واتفاقياتها التى تمثل تهديدا للأمن القومى المصرى.
ــ إن البيان إذا كان قد اعتبر إسرائيل عدوا، فإنه لم يعبر عن المشاعر الحقيقية للشعب المصرى فحسب ولكنه أيضا بادل الإسرائيليين مشاعرهم، ذلك أن خطابهم الإعلامى كان طيلة السنوات التى مضت يتحدث عن نظام حليف فى مصر وشعب عدو.
ــ إذا فهمنا وقدرنا منطق الدبلوماسى المخضرم فى حديثه عن الاتفاقات الدولية، فأحسب أنه يتعين أيضا فهم وتقدير موقف لجنة تضم نفرا من ممثلى الشعب. وليس مطلوبا من الأخيرين أن يكونوا بدورهم دبلوماسيين.
ــ القول بأن مجلس الشعب يجب أن يسير على خطى الحكومة فى معاهدة السلام أو فى غيرها يطالب النواب المنتمين بأن يتحولوا إلى موظفين فى الخارجية. ثم إنه لا غضاضة فى أن يتبنى المجلس موقفا مختلفا عن حكومته، ويدعو مثلا إلى إعادة النظر فى بعض الاتفاقات الدولية، التى زيَّفت إرادة الشعب وأهانت مصر ودورها التاريخى.
ــ إنه ليست هناك معاهدات أبدية، ومن ثم لا ينبغى أن يغلق باب الاجتهاد أو التفكير فى إعادة النظر فى معاهدة السلام فى الظرف التاريخى المناسب. وفى هذه الحالة لا ينبغى أن تحجم مصر عن الدفاع عن مصالحها العليا وأمنها القومى التى فرط فيها النظام السابق، كما لا ينبغى تخويفها بمذكرة التفاهم التى أشير إليها بين إسرائيل والولايات المتحدة.
لقد سئمنا الاستماع إلى كلام الحكومة وحدها طوال نصف القرن المنقضى، ومن حقنا أن نطالبها بأن تستمع إلى رأى الشعب بعد الثورة، حتى وإن كان من قبيل التنفيس و«فشَّة الخلق» كما يقول اللبنانيون، وإذا كان استحضار هذه المعانى واجبا فى كل وقت، فإنه يعد أوجب اليوم بوجه أخص، فى ذكرى يوم الأرض التى تحل غدا (٣٠ مارس)، وهو اليوم الذى انفجر فيه غضب فلسطينى 48 عام ١٩٧٦، إثر مصادرة 21 ألف دونم من أراضيهم لتخصيصها للمستوطنات، ضمن مخطط تهديد الجليل. وأسفر الانفجار الشعبى عن قتل ستة فلسطينيين واعتقال 300. الأمر الذى أبقى على ذكرى ذلك اليوم محفورة فى الأذهان، ضمن شواهد الجريمة الكبرى التى حاولت الاتفاقات الدولية دفنها وطمس معالمها
كان بيان لجنة الشئون العربية الذى صدر فى 12/3 قد ركز على عدة نقاط هى:
ــ إن مصر الثورة لن تكون أبدا صديقا أو شريكا أو حليفا للكيان الصهيونى الذى نعتبره العدو الأول لمصر ولأمتنا العربية.
ــ إن الحكومة المصرية مطالبة بمراجعة كل علاقاتها واتفاقياتها مع هذا العدو وما تمثله من مصادر تهديد حقيقية للأمن والمصالح الوطنية المصرية.
ــ المطالبة بطرد السفير الإسرائيلى من مصر، وسحب السفير المصرى من تل أبيب، ووقف تصدير الغاز المصرى لهذا الكيان، وتجميد العمل باتفاقية الكويز وشروطها المجحفة بالسيادة والمصالح الوطنية المصرية.
ــ تبنى خيار المقاومة بكل أنواعها وأشكالها، العودة إلى تفعيل سياسة المقاطعة العربية الشاملة للكيان الصهيونى.
فى تعليقه على البيان لم يخف السفير إيهاب وهبة إدانته «للأعمال الإجرامية» التى تقوم بها إسرائيل، لكنه فرق بين مستويين من الإجراءات فى الرد على العدوان الإسرائيلى:
مستوى يتعلق بحق مصر فى ممارسة سيادتها (مثل سحب السفير أو تجميد اتفاقية الكويز أو وقف تصدير الغاز). أما المستوى الآخر فيتعلق بالتزامات مصر الدولية التى سبق تحصينها آنذاك بموافقة مجلس الشعب وبالاستفتاء العام. والتحفظ الذى أبداه السفير وهبة انصب على ذلك المستوى الثانى، حيث اعتبر أن بعض ما دعا إليه بيان لجنة الشئون العربية يتعارض مع نصوص واستحقاقات معاهدة السلام مع إسرائيل التى وقعت فى عام 1979.
تعليقى على مقالة السفير إيهاب وهبة يتلخص فيما يلى:
ــ إن بيان لجنة الشئون العربية تحدث عن «مصر الثورة» التى يفترض أنها مختلفة عن مصر مبارك. ومن حقها أن تتعامل بطريقة مختلفة مع تعهدات العصر الذى انقلبت عليه، علما بأن البيان لم يتحدث عن خرق أو إلغاء معاهدة السلام، وإنما دعا إلى مراجعة علاقاتها واتفاقياتها التى تمثل تهديدا للأمن القومى المصرى.
ــ إن البيان إذا كان قد اعتبر إسرائيل عدوا، فإنه لم يعبر عن المشاعر الحقيقية للشعب المصرى فحسب ولكنه أيضا بادل الإسرائيليين مشاعرهم، ذلك أن خطابهم الإعلامى كان طيلة السنوات التى مضت يتحدث عن نظام حليف فى مصر وشعب عدو.
ــ إذا فهمنا وقدرنا منطق الدبلوماسى المخضرم فى حديثه عن الاتفاقات الدولية، فأحسب أنه يتعين أيضا فهم وتقدير موقف لجنة تضم نفرا من ممثلى الشعب. وليس مطلوبا من الأخيرين أن يكونوا بدورهم دبلوماسيين.
ــ القول بأن مجلس الشعب يجب أن يسير على خطى الحكومة فى معاهدة السلام أو فى غيرها يطالب النواب المنتمين بأن يتحولوا إلى موظفين فى الخارجية. ثم إنه لا غضاضة فى أن يتبنى المجلس موقفا مختلفا عن حكومته، ويدعو مثلا إلى إعادة النظر فى بعض الاتفاقات الدولية، التى زيَّفت إرادة الشعب وأهانت مصر ودورها التاريخى.
ــ إنه ليست هناك معاهدات أبدية، ومن ثم لا ينبغى أن يغلق باب الاجتهاد أو التفكير فى إعادة النظر فى معاهدة السلام فى الظرف التاريخى المناسب. وفى هذه الحالة لا ينبغى أن تحجم مصر عن الدفاع عن مصالحها العليا وأمنها القومى التى فرط فيها النظام السابق، كما لا ينبغى تخويفها بمذكرة التفاهم التى أشير إليها بين إسرائيل والولايات المتحدة.
لقد سئمنا الاستماع إلى كلام الحكومة وحدها طوال نصف القرن المنقضى، ومن حقنا أن نطالبها بأن تستمع إلى رأى الشعب بعد الثورة، حتى وإن كان من قبيل التنفيس و«فشَّة الخلق» كما يقول اللبنانيون، وإذا كان استحضار هذه المعانى واجبا فى كل وقت، فإنه يعد أوجب اليوم بوجه أخص، فى ذكرى يوم الأرض التى تحل غدا (٣٠ مارس)، وهو اليوم الذى انفجر فيه غضب فلسطينى 48 عام ١٩٧٦، إثر مصادرة 21 ألف دونم من أراضيهم لتخصيصها للمستوطنات، ضمن مخطط تهديد الجليل. وأسفر الانفجار الشعبى عن قتل ستة فلسطينيين واعتقال 300. الأمر الذى أبقى على ذكرى ذلك اليوم محفورة فى الأذهان، ضمن شواهد الجريمة الكبرى التى حاولت الاتفاقات الدولية دفنها وطمس معالمها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق