أبرزت الصحيفة اللندنية الشرق الأوسط عنواناً في صفحتها الرئيسية يقول: محمد عبد اللاه: مبارك فضل منطق "لما أموت يحصل اللي يحصل".. البرلماني السابق لـ"الشرق الأوسط": عزمي وراء التوريث.
في شقته بحي الزمالك العريق، وضع البرلماني الشهير، الدكتور محمد عبد اللاه، نقطة النهاية لحياته السياسية الحافلة التي تجاوزت 35 عاما، معلنا اعتزالها والتفرغ لمهامه الأصلية وهي متابعة رسائل الدكتوراه والماجستير لطلبته بجامعة الإسكندرية.ومع كوب من الشاي وسيجار كوبي فاخر، أزاح عبد اللاه الستار عن خبايا تزوير الانتخابات البرلمانية في مصر على مدار عقود، والتي كان أكثرها فجاجة تلك التي جرت في نهاية عام 2010 والتي زورت نتائجها بالكامل. كما حكى لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل دقيقة عن مخطط عزل الرئيس السابق حسني مباركالممنهج، الذي كان يقوده زكريا عزمي (رئيس الديوان الرئاسي السابق)، تمهيدا لفرض ملف التوريث في مصرمنذ عام 2000، مشيرا إلى أن عزمي كان يطمع في رئاسة مجلس الشعب المقبل في مرحلة مبارك الابن، أما عن أحمد عز فقال إنه كان يستهدف منصب رئيس وزراء مصر.. وكيف ضعفت قوة الرئيس السابق ومؤسسته وتراخت قبضته، وهو ما لم يمكنه من وقف قطار ملف التوريث الذي دهم الجميع.. شارحا أن الضغوط العائلية وإحكام حلقة تنفيذ المخطط كانت أكبر من فعل المقاومة.
وإلى نص الحوار..
* ما السر وراء ما آل إليه مبارك اليوم بعد 30 عاما من الحكم؟
* ما السر وراء ما آل إليه مبارك اليوم بعد 30 عاما من الحكم؟
- كلمة السر هي «عزل» مبارك، وكانت بداية عزله الحقيقي مع تولي حكومة عاطف عبيد عام 1999، ثم دخول المجموعة الجديدة بقيادة جمال مبارك إلى الحزب الوطني عام 2000، وتأكد ذلك أكثر في عام 2005. وهو لم يكن عزلا عشوائيا، بل جرى بشكل ممنهج ومرتب، وعلى جرعات متتالية حتى يتقبلها مبارك؛ لأنه كان بطبيعته حريصا في اتخاذ القرارات، وقد يؤخذ عليه أيضا البطء والتردد، لكنه كان يعمل بمبدأ تعلمه في الطيران وهو «السلامة أولا» safety first. وكان يقود هذا العزل زكريا عزمي (رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق)، وقد اتخذ في السنوات الأخيرة شعارا شهيرا يعرفه الكثيرون في الدوائر السياسية هو «ما تقولوش أي حاجة تزعل الريس». وبمرور الوقت تحول عزمي إلى مركز المعلومات الوحيد لأذن الرئيس السابق، ومن كان لا ينصاع لهذا الأمر المباشر في أي اجتماع مع الرئيس كان يتم التنكيل به!
* ولماذا كان زكريا عزمي يتبنى هذا المخطط؟
- عزمي كان يعد نفسه لكي يتولى منصب رئيس مجلس الشعب إذا غاب مبارك عن الساحة في أي لحظة، على أساس أنه لن يستطيع أن يقوم بنفس الدور (رئيس الديوان) مع أي رئيس قادم آخر، حتى إن كان جمال مبارك نفسه.
* ولماذا كان زكريا عزمي يتبنى هذا المخطط؟
- عزمي كان يعد نفسه لكي يتولى منصب رئيس مجلس الشعب إذا غاب مبارك عن الساحة في أي لحظة، على أساس أنه لن يستطيع أن يقوم بنفس الدور (رئيس الديوان) مع أي رئيس قادم آخر، حتى إن كان جمال مبارك نفسه.
* ومن كان يسانده في إدارة هذا الملف؟ وهل كان لهذه القوى يد في تأخر قرار التنحي؟
- أنس الفقي (وزير الإعلام السابق) وحبيب العادلي (وزير الداخلية الأسبق) وأعضاء أمانة المجلس الأعلى للسياسات هم مجموعة إدارة مخطط التوريث؛ لهذا لم أستغرب ذلك التضارب الذي حدث قبيل إعلان التنحي؛ لأن نهاية الرئيس تعني نهايتهم، ولاقتناعهم أنه لو تم حساب الرئيس فإنهم سيحاسبون قبله.
* لكن مبارك كان مدركا لما يدور حوله، فلماذا لم يتدخل؟
- شهادة للتاريخ، مبارك لم يكن مقتنعا بفكرة مجيء جمال لرئاسة الجمهورية من منطلق موقعه كـ«أب» وليس من منطلق الزهد، الأب الذي يدرك تماما أن كثيرين في البلد لن يقبلوا بجمال كرئيس، وعلى رأسهم المؤسسة العسكرية. وحاول كثيرا أن يقاوم هذا التوجه، لكن السيدة سوزان مبارك كانت ترى ضرورة الاستمرار في هذا التوجه كحصان رابح لتأمين الاستمرار في الحكم.
* ولماذا لم يقاوم مبارك هذا التوجه حتى النهاية إن كان مقتنعا به تماما؟
- مبارك ضعفت قوته في الفترة الأخيرة، وهذا الضعف كان صحيا ونفسيا أيضا بعد وفاة حفيده محمد (نجل علاء، عام 2009). ولم يكن لديه القدرة على الدخول في معارك كبيرة في المنزل، فالضغط عليه كان كبيرا؛ لهذا فضل أن تسير الأمور من منطلق «لما أموت يبقى يحصل اللي يحصل»، حتى إن حدث صراع على خلافته.
* وهل كان هناك توافق داخل عائلة الرئيس السابق (بعيدا عنه شخصيا) حول ملف التوريث؟
- عرفت من مصادر مقربة للعائلة أن علاء مبارك كان قلقا للغاية من فكرة صعود جمال في الحياة السياسية، وكان غير موافق على ملف التوريث الذي كان يتم الإعداد له. ولم يكن ذلك بدافع الغيرة، بل بدافع أن هذا الملف سيفقد والدهمبارك أرضية كبيرة، مع خشية أن تحدث تبعات خطرة لهذا التوجه في ظل الإصرار على تحويل مصر إلى جمهورية «بالوراثة».
- عرفت من مصادر مقربة للعائلة أن علاء مبارك كان قلقا للغاية من فكرة صعود جمال في الحياة السياسية، وكان غير موافق على ملف التوريث الذي كان يتم الإعداد له. ولم يكن ذلك بدافع الغيرة، بل بدافع أن هذا الملف سيفقد والدهمبارك أرضية كبيرة، مع خشية أن تحدث تبعات خطرة لهذا التوجه في ظل الإصرار على تحويل مصر إلى جمهورية «بالوراثة».
* وما خطيئة النظام الكبرى، التي لم يدركها حتى سقوطه؟
- تآكل الطبقة المتوسطة على مدار 30 عاما من حكم مبارك كان خطيئة كبرى وقع فيها النظام؛ لأن الطبقة المتوسطة هي الضابط والموظف والمدرس والطبيب والقاضي، وكل هؤلاء أصبحوا لا يستطيعون توفير الحياة الكريمة لهم ولأسرهم، وهم القاعدة العريضة للشعب المصري، وبسبب هذا التآكل تحول المجتمع إلى من يعيشون في المنتجعات الفاخرة، ومن يعيشون في العشوائيات. وهذا الفصل كان سببا رئيسيا في غياب العدالة الاجتماعية.
* تاريخ تزوير الانتخابات في مصر (لصالح الحزب الوطني المنحل) اتخذ منحنيات كبيرة عبر عقود، لماذا وصل إلى ذروته في انتخابات عام 2010؟
- المسألة كانت تعتمد على أن مرشحي الحزب الأصليين لن يحصلوا على أكثر من 38%، وإذا انضم إليهم المنشقون عن الحزب ومن اتخذوا صفة المستقلين فلن تكون النسبة كبيرة أيضا.. فقد كان ما يهمهم هو الاستحواذ على نسبة الثلثين في البرلمان لتمرير أي تعديلات دستورية. ولكن ما قام به أحمد عز (أمين التنظيم عضو لجنة السياسات بالحزب المنحل) فاق كل التوقعات، والذي جعل الأمور تخرج عن السيطرة بالفعل أنه أسقط قيادات كبيرة من المعارضة كان لها شعبيتها في دوائرها، مثل البدري فرغلي (حزب التجمع) والدكتور محمد مرسي (الإخوان المسلمين) مقابل شخصيات مجهولة تماما، لكنها تنتمي للحزب الوطني.
* كيف يمكنك أن تصف علاقة أحمد عز بجمال مبارك قبل الثورة؟
- أحمد عز ينطبق عليه المثل الشعبي «الدبة اللي قتلت صاحبها» بتزويره الكامل لنتائج انتخابات 2010 من أجل خاطر جمال مبارك، وقد أقنع عز جمال لاحقا بأنه استطاع تكوين تنظيم جديد قوي داخل الحزب الوطني يعمل تحت شعار «الفكر الجديد»، وأن هذا التنظيم استطاع أن يكتسح الانتخابات البرلمانية تمهيدا لدور أكبر سيسند له لاحقا في انتخابات الرئاسة ويمكنه أن يقوم به!
* هل كان لأحمد عز طموح في منصب سياسي معين؟
- أحمد عز كان سقف طموحاته السياسية أن يصبح رئيس الوزراء القادم، لمجرد الحصول على اللقب ليس أكثر؛ لأنه لم يكن يتمتع بأي خلفية سياسية. وكل الأمور السياسية في الحزب كان يديرها بأسلوب عمله كرجل أعمال، وهو أسلوب «المحتكر»، واختطاف المنافسين له. وهو ما فعله بالفعل؛ حيث اختطف الحزب واحتكره لصالحه، على الرغم من أنه يعرف تماما أنه لم يكن مقبولا من الشارع.
* لماذا وافقت على الانضمام إلى هيئة مكتب الحزب بتشكيلتها الجديدة بعد الثورة؟
- أخلاقياتي لم تسمح لي بالانسحاب، وكنت أشعر بالخطر، لكنه القدر! كانت محاولة إنعاش يائسة لإعادة الحزب إلى مساره الصحيح بعد أن انحرف على مدار سنوات طوال، والبعض اعتبر أن قبولي هو مهمة انتحارية، لكن كان لا بد من المحاولة.
* توليت منصب الأمين العام المساعد، أمين الإعلام، في 5 فبراير (شباط) وقدمت استقالتك في 10 مارس (آذار)، فهل كانت فترة كافية لتقييم التجربة؟
- كانت هناك انشقاقات كبيرة وضغوط هائلة من عناصر محسوبة على القيادات القديمة للحزب، وكنت أريد أن أطهر الحزب منهم ولم أستطع، فلم يكن هناك توافق بيننا على التوجه الجديد والرؤى المختلفة والطموح لتغيير الحزب جذريا.
* هل يمكن أن يحل حزب «الحرية والعدالة» (الذراع السياسية للإخوان المسلمين) محل الحزب الوطني بعد غيابه كبديل واقعي؛ كونه تابعا لأكثر التنظيمات السياسية قوة وتنظيما؟
- على الرغم من اختلافي السياسي الطويل مع الإخوان، فإنني تجمعني بهم صداقات كثيرة على المستوى الشخصي، وخلافي معهم في أمور تخص توجهاتهم الخارجية والسياسية، والسياسة تحكمها المصالح والعلاقات وتوازن القوى والهدف الاستراتيجي.. ولا يمكن أبدا أن تدار تكتيكيا، ولا يمكن أن تدار لإرضاء الشارع فقط وحساباتها معقدة. ومع ذلك قد يكون لهم تأثير كبير في الانتخابات المقبلة، ولكني أتصور أنه لن يكون حزب الأغلبية مثل «الوطني»، فهم عليهم أيضا أن يفصلوا الحزب فصلا واضحا عن شؤون الدعوة، فإدارة الدولة شيء والدعوة شيء آخر، وذلك من خلال تقديم برنامج محدد ومدني ويطمئن الناس.
* كيف ترى علاقة الإخوان المسلمين بأميركا في المرحلة المقبلة؟
- أميركا ترى اتجاهين للتيارات الإسلامية: النموذج الأفغاني، أو النموذج التركي (توجه إسلامي في دولة علمانية) الذي تقبله.. وهي اليوم تفتح حوارها مع الإخوان لمعرفة ما إذا كانت هي قوة معتدلة فتدعمها، أو قوة غير معتدلة فتبحث عن بديل لها.
* في رأيك، هل تحتاج مصر بعد ثورة «25 يناير» لإشراف دولي على انتخاباتها؟
- الإشراف الدولي هنا هو إشراف رمزي أكثر منه فعليا؛ لأن الإشراف بمعناه الحقيقي غير مقبول؛ كونه يتدخل في العملية الانتخابية من أولها لآخرها. ويمكن القول إنه «مراقبة».. وأنا مؤمن بأن الإشراف القضائي مستقبلا سيكون ضمانة كافية لانتخابات حرة ونزيهة، وبالتالي يجب ألا نخاف من وجود أي تغطيات إعلامية أو مراقبة أجنبية للانتخابات المقبلة.
* كيف ترى تطبيق قانون الغدر الذي ينادي به الكثيرون اليوم؟
- قانون الغدر ردة.. وكان تطبيقه، مع ثورة 1952 من خلال إقصاء جميع الأطراف من الساحة السياسية، هو البداية الحقيقية للانفراد بالحكم من خلال الحزب الواحد.. لكن الناس لا يقرأون التاريخ.
* ما حقيقة ما أثير عن أن (الرئيس الأسبق أنور) السادات أصدر قرارا بإعفاءمبارك من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية يوم 5 أكتوبر (تشرين الأول) 1981، لكنه اغتيل قبل تنفيذ القرار؟
- ليس بهذا الشكل، السادات في مارس 1981 أعطى تعليمات بتحجيم دور مبارك وسحب بعض الصلاحيات منه كنائب، بعد أن وردت إليه بعض الأقاويل عن تدخل مبارك في شؤون القوات المسلحة دون علمه، لكنه أعاد له هذه السلطات مرة أخرى بعد وساطات لمقربين منه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق