آخر الأخبار

التواصل

دنيا البنات

28 نوفمبر 2011

اختبار لا يحتمل الرسوب فهمي هويدي


جولة الانتخابات التى تتم اليوم فى مصر هى اختبار لا يحتمل الرسوب فيه، لسبب جوهرى هو أن الراسب فى هذه الحالة تحديدا ليس المجلس العسكرى وليس الفصائل أو الجماعات السياسية، ولكنى أزعم أن الراسب سيكون الثورة والوطن كله.
 
إذ نحن لسنا بصدد انتخابات نيابية عادية، كما اننا لسنا بصدد تأسيس نظام جديد بديل عن نظام مبارك الذى سقط، ولكننا بالانتخابات نخطو الخطوة الأولى على طريق إقامة جمهورية حقيقية يصنعها الشعب على يديه. صحيح أن النظام الملكى سقط فى عام 1952، وان النظام الجمهورى أعلن منذ ذلك الحين، لكنه كان جمهوريا على الورق وفى الدساتير، ذلك اننا منذ ذلك الحين لم نختر رئيسا من جانبنا، ولكن الرؤساء الثلاثة الذين حكمونا لم يكن لنا فيهم رأى قبل أن يتولوا مناصبهم. إذ جاءوا من حيث لا نحتسب، ثم قيل لنا من باب استيفاء الشكل وسد الخانة: ما رأيكم دام فضلكم؟ ــ فلا نحن الذين اخترناهم ولا نحن الذين غيرناهم (باستثناء الأخير الذى كان لابد من ثورة لإزاحته) ــ صحيح أن الثلاثة لم يكونوا فى مقام واحد، حيث لا يقارن عبدالناصر بالسادات أو مبارك، لكن الثلاثة صحونا ذات صباح على وجودهم على رأس البلد. وجميعهم كانوا من العسكر، والثلاثة حكموا بحزب واحد تغيرت أسماؤه لكنه ظل كيانا واحدا احتكر السياسة، واعتبر نفسه حزبا طليعيا وظل الآخرون ذيولا له، تستخدم فى تزيين المشهد السياسى وتوظف لأجل اتمام الديكور الديمقراطى.

ظلت لدينا أنظمة ليس لها من الجمهورية سوى الاسم فقط، وان كانت فى جوهرها «ملكيات» حقيقية، بل وصلت الجرأة ببعض من تولوها أن أرادوا توريثها لأبنائهم، جريا على تقاليد الملكيات المعروفة. ولئن سبقتنا فى ذلك بعض الديمقراطيات «الشعبية» الشيوعية (كوريا الشمالية مثلا) إلا أن التوريث ما لبث أن حدث فى سوريا، ولاحت بوادره فى مصر، وكانت له أصداؤه فى ليبيا واليمن على الأقل. وهى الأنظمة التى يصفها الدكتور منصف المرزوقى السياسى التونسى المرشح رئيسا للجمهورية الجديدة بأنها «جملوكية»، بمعنى أنها جمهورية اسما وملكية فعلا.

هذه الخلفية تسوغ لى أن أدعى بأن الانتخابات التى تجرى اليوم تسهم فى تأسيس أول جمهورية حقيقية فى مصر بعد ثورة عام 1952. ولأن الأمر كذلك فقد سمحت لنفسى أن أدعى أنها اختبار لا يحتمل الرسوب. ذلك أن الرسوب يعنى العودة إلى الملكية المقنعة، التى غيرت الزى العسكرى ولكنها أبقت على احتكار السلطة وتأميم السياسة وربما توريث البلد لصالح الأبناء والاحفاد.

هناك أربعة شروط لاجتياز الاختبار بنجاح هى: الاقبال على التصويت بذات الحماس الذى شهدناه فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية ــ اتمام الانتخابات فى جو من الحرية والنزاهة التى تغلق الباب تماما على أى تلاعب فى التصويت أو الفرز ــ تأمين العملية الانتخابية فى مواجهة البلطجية ودعاة الفوضى الذين طالما حاولوا إفساد أى عرس ديمقراطى ــ اختيار العناصر الوطنية التى تحمل قيم الثورة على اكتافها وتسعى إلى تنزيل حلم النهوض بالوطن على الأرض.

لقد أشاعت بعض الأوساط مخاوف من امكانية النجاح فى تأمين العملية.. لكنى حين وجدت أن انتخابات نقابتى المحامين والمهندسين تمت بسلام ونجاح فى ظل أجواء التوتر الراهنة، اقتنعت بأن النجاح فى الانتخابات النيابية أمر وارد بقوة. ولا استطيع أن أتجاهل فى هذا السياق حقيقة أن ثمة وعيا عاما فى مصر يُطمأن إليه، وان ذلك الوعى كفيل بتحقيق النجاح المنشود بإذن الله.

هى مصادفة أن تزامن موعد اطلاق المرحلة الأولى للانتخابات مع غضب الجماهير التى خرجت إلى ميدان التحرير وقد ضاقت صدورها ذرعا بالأخطاء التى ارتكبها المجلس العسكرى، حتى إن بعضهم ذهبوا فى ذلك إلى حد المطالبة برحيل المجلس. ذلك أن الاستجابة لذلك المطلب بصورة آمنة لا تعرض البلاد للانتكاسة أو الفراغ تحتم الاحتشاد لأجل التصويت وإنجاز المراحل الثلاث للعملية الانتخابية فى مواعيدها. لأن تشكيل مجلس الشعب هو الضمان الوحيد لترتيب تسليم السلطة إلى المدنيين، إلى جانب وضع الأساس لإقامة الجمهورية المصرية الحقيقية التى ظل يحلم بها الشعب المصرى منذ قامت الثورة فى شهر يوليو عام 1952. ولأن الأمر كذلك فإننى أكرر أننا بصدد اختبار لا يحتمل الرسوب، ولا بديل عن اجتيازه بتفوق وفى ذلك فليتنافس المتنافسون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق