هو السلطان الكبير الملقب بأمير المؤمنين صاحب بلاد المغرب والأندلس، المنصور أبو يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي، رأس الدولة الموحدية ونجمها وأفضل رجالها، والدولة الموحدية التي حكمت المغرب والأندلس بعد دولة المرابطين، وسميت بالموحدية لأن أتباعها يعتقدون أنهم على التوحيد الصحيح، ولكنهم في الواقع معتزلة مؤولة معطلة للصفات، وقد ادعى لهم محمد بن تومرت المهدية وقادهم للخروج على المرابطين الذين كانوا أصحاب عقيدة صحيحة وسليمة.
تولى أبو يوسف السلطنة بعد مقتل أبيه في معركة «شنترين» سنة 580هـ، وكان في الثانية والثلاثين من العمر، وكان مع أبيه في المعركة ورأى مصرع أبيه بعينيه، فجعل كل همه وعزمه جهاد الصليبيين، وقد عمل أيام أبيه في الوزارة فخبر الخير والشر وكشف أحوال الدواوين، واستطاع أن يقضي على ثورة ابن غانية والتي استمرت عشرات السنين، ولكن قضى عليها بعد أن أسرف في القتل فأورثه ذلك ندمًا وزهدًا وإقبالاً على العلم والحديث.
كان لأبي يوسف اجتهاد في طلب العلم ونشر الحديث، وكان معظمًا لمذهب ابن حزم الظاهري، ومن أجل ذلك أحرق كتب المالكية وطارد علماءهم وقصد لمحو مذهب مالك تمامًا من المغرب، لا لشيء إلا لأنه كان مذهب المرابطين ومذهب العقيدة الصحيحة، وكان يتولى إمامة الصلاة بنفسه ويقضي بين الخصوم بنفسه، بنى الكثير من المستشفيات والمدارس والقرى والحصون، وكان مهتمًا بعمران الدولة وتحديث منشآتها، وله قصة مشهورة مع ابن رشد الحفيد الفيلسوف المعروف أدت لنفيه من البلاد ثم إعادته آخر حياته.
كان شديد التحري للعدل ونشر الشريعة ومطاردة المفاسد حتى تشدد في الحدود فخرج بها عن قواعدها المنصوص عليها، فقتل شارب الخمر وهذا لا يجوز، أما ما يرويه المؤرخون عن أنه قد رفض مساعدة صلاح الدين الأيوبي في قتاله ضد الحملات الصليبية لأن صلاح الدين لم يذكر في خطابه إليه أمير المؤمنين فلا يصح مطلقًا، والحق أنه لم يستطع إمداد صلاح الدين بأسطوله لانشغاله بقتال الإسبان وقتها.
وأشهر وأفضل أعمال أبي يوسف هو انتصاره الهائل المدوي في معركة الآرك سنة 591هـ على صليبي إسبانيا، في معركة ذكرت الناس بيوم الزلاقة وما جرى فيه، ومعركة الآرك هي التي رفعت ذكر أبي يوسف وطارت بشهرته، وقد اختلف في موته لكثرة الأخبار التي وردت عن أنه قد تزهد وترك الملك وساح في الأرض ودخل مكة فحج بها، ثم طاف في البلاد حتى استقر بالشام ببعلبك، ولكن الأظهر موته بالمغرب في 22 ربيع الأول سنة 595هـ الموافق 22/10/1119م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق