المظاهرات والاعتصامات الحاصلة فى القاهرة الآن بعضها يبعث على الحيرة والبعض الآخر يثير الشك والارتياب، فى توقيتها ودوافعها ومقاصدها. فنحن نعرف الآن أن ثمة اعتصاما أمام وزارة الداخلية لأعداد من أمناء الشرطة، وهناك اعتصام آخر فى ميدان التحرير، اشتركت فيه مجموعات عدة بعضها غاضب على المجلس العسكرى (أسر الشهداء)، والبعض الآخر عاتب على المجلس ويطالب برحيله. وثمة اعتصام ثالث فى العباسية يحاول أن يبعث برسالة إلى وزارة الدفاع والمجلس العسكرى، تحتج على إخراج السيد حازم أبوإسماعيل من السباق الانتخابى، وتطالب بإنهاء حكم العسكر، والمطلب الأخير جذب تجمعات أخرى من حركة 6 أبريل والاشتراكيين الثوريين وغيرهما. ولا يخلو الأمر من وجود أعداد من العاطلين الذين وجدوا فى الانضمام إلى المظاهرات والاعتصامات «عملا» لهم يداوم بعضهم فيه كل صباح.
لأنصار المرشح السابق حازم أبوإسماعيل حضور واضح بين جماعة ميدان التحرير وأغلبهم منخرط فى اعتصام العباسية. وهؤلاء من السلفيين الهواة، الذين لا يجمعهم تنظيم بذاته، وإنما هم من أتباع بعض شيوخ الحركة السلفية الذين يظهرون فى البرامج التليفزيونية أو يعتلون منابر بعض المساجد. وهؤلاء يؤمنون بأن السيد أبوإسماعيل تعرض لعملية إقصائية، توطأت فيها الحكومة الأمريكية مع الحكومة المصرية. واعتبروا أن فى الأمر مؤامرة ــ للصهاينة دورهم فيها ــ استهدفت اغتيال أبوإسماعيل سياسيا، وإخراجه من المنافسة لأنه يدعو إلى تطبيق الشريعية الإسلامية وإعلاء شأن الإسلام فى مصر والعالم العربى. وهم يتصورون أنها حرب صليبية ضد أبوإسماعيل يجب التصدى لها بكل قوة من جانب جماهير المؤمنين الغيورين على دينهم.
ساعد على إثارة المجموعات التى صدقت حكاية «المؤامرة» ضد أبوإسماعيل أن لجنة الانتخابات تأخرت كثيرا فى حسم الأمر، الأمر الذى فتح الباب لإطلاق الشائعات ورواجها. ووسع من نطاق الغضب وغذَّاه أن المتظاهرين تعرضوا لغارات واشتباكات من مجهولين أدت إلى سقوط ثلاثة قتلى وإصابة عشرات آخرين بعضهم بطلقات الخرطوش.
أثار الانتباه فى كل ذلك أن السيد حازم أبوإسماعيل والشيوخ الذين التفوا حوله وقاموا بتعبئة الشباب وتحريضهم على التظاهر إما أنهم التزموا الصمت إزاء ما يجرى أو أنهم اختفوا تماما من المشهد، كأنهم بعدما استجاب الشباب لدعوتهم احتاروا فى الأمر ولم يعرفوا ماذا يفعلون بعد ذلك. كما أنهم تحرجوا من صرفهم فتركوهم ولم يجد أولئك الشبان مخرجا من الأزمة سوى تطوير خطابهم وإضافة إنهاء حكم العسكر إلى مطلبهم، لكى يكون ذلك سببا آخر لاستمرارهم فى التظاهر والاعتصام.
المشهد يبدو عبثيا ومريبا. يتمثل العبث فى أمور عدة. إذ ليس مفهوما أن يتخذ إجراء قانونى بحق واحد من المرشحين للرئاسة فيخرج أنصاره للتظاهر والاعتصام فى الشارع لمدة أسبوعين، وتستثمر فى ذلك حالة الفوضى السائدة فى ميدان التحرير. وإذا كنا قد فهمنا ودافعنا عن خروج الناس للتظاهر فى الميدان لإعلان رأى المجتمع فى القضايا العامة، فليس مقبولا أن يوظف الميدان لصالح أية قضية خاصة، مهما كان شأن صاحب هذه القضية من العبث أيضا أن يعتصم أمناء الشرطة أمام مقر وزارة الداخلية ناهيك عن محاولة اقتحام المبنى، ذلك أننا نعرف أن وزارة الداخلية هيئة نظامية لها تقاليدها واجبة الاحترام، ثم إن الوزارة لا تختزل فى شخص الوزير وإنما هى جزء من هيبة الدولة وكيانها. أما تحسين أوضاع أمناء الشرطة أو التظلم من سياسة الوزير فله أبواب أخرى. أحدها استجوابه فى مجلس الشعب أو محاسبته أمام لجنته المختصة.
من العبث أيضا أن يتوجه المعتصمون والمتظاهرون إلى وزارة الدفاع لتوصيل رسالة يمكن توصيلها بوسائل أخرى، ولا أتخيل أن يفكر أحد فى اقتحام مقر الوزارة، الأمر الذى يعد أعلا درجات العبث واللامسئولية. من العبث كذلك أن تقف مختلف القوى السياسية متفرجة أمام ما يجرى، وكأنها غير معنية بإثارة الفوضى أو الاجتراء على هيبة الدولة.
حين تتعدد مشاهد العبث على ذلك النحو، وتتزامن مع إشعال ثلاثة حرائق كبرى فى بعض مدن الدلتا، ويحدث ذلك فى أجواء الإعداد للانتخابات الرئاسية فإن من حقنا أن نتساءل عما إذا كانت تلك مجرد مصادفة، أم إشاعة الفوضى للتذرع بها فى تأجيل الانتخابات مستهدف من ذلك التتابع. وهو سؤال يبدو منطقيا خصوصا إذا تذكرنا أن تفجير أحداث شارع محمد محمود كان الهدف منه تأجيل الانتخابات النيابية. ليست لدى إجابة على التساؤل ولكن الخبرة علمتنا أن نحذر ونرتاب لأن هناك كثيرين من الأقربين والأبعدين يتمنون للثورة أن تفشل، فى حين يمثل نجاحها كابوسا يلاحقهم طول الوقت
لأنصار المرشح السابق حازم أبوإسماعيل حضور واضح بين جماعة ميدان التحرير وأغلبهم منخرط فى اعتصام العباسية. وهؤلاء من السلفيين الهواة، الذين لا يجمعهم تنظيم بذاته، وإنما هم من أتباع بعض شيوخ الحركة السلفية الذين يظهرون فى البرامج التليفزيونية أو يعتلون منابر بعض المساجد. وهؤلاء يؤمنون بأن السيد أبوإسماعيل تعرض لعملية إقصائية، توطأت فيها الحكومة الأمريكية مع الحكومة المصرية. واعتبروا أن فى الأمر مؤامرة ــ للصهاينة دورهم فيها ــ استهدفت اغتيال أبوإسماعيل سياسيا، وإخراجه من المنافسة لأنه يدعو إلى تطبيق الشريعية الإسلامية وإعلاء شأن الإسلام فى مصر والعالم العربى. وهم يتصورون أنها حرب صليبية ضد أبوإسماعيل يجب التصدى لها بكل قوة من جانب جماهير المؤمنين الغيورين على دينهم.
ساعد على إثارة المجموعات التى صدقت حكاية «المؤامرة» ضد أبوإسماعيل أن لجنة الانتخابات تأخرت كثيرا فى حسم الأمر، الأمر الذى فتح الباب لإطلاق الشائعات ورواجها. ووسع من نطاق الغضب وغذَّاه أن المتظاهرين تعرضوا لغارات واشتباكات من مجهولين أدت إلى سقوط ثلاثة قتلى وإصابة عشرات آخرين بعضهم بطلقات الخرطوش.
أثار الانتباه فى كل ذلك أن السيد حازم أبوإسماعيل والشيوخ الذين التفوا حوله وقاموا بتعبئة الشباب وتحريضهم على التظاهر إما أنهم التزموا الصمت إزاء ما يجرى أو أنهم اختفوا تماما من المشهد، كأنهم بعدما استجاب الشباب لدعوتهم احتاروا فى الأمر ولم يعرفوا ماذا يفعلون بعد ذلك. كما أنهم تحرجوا من صرفهم فتركوهم ولم يجد أولئك الشبان مخرجا من الأزمة سوى تطوير خطابهم وإضافة إنهاء حكم العسكر إلى مطلبهم، لكى يكون ذلك سببا آخر لاستمرارهم فى التظاهر والاعتصام.
المشهد يبدو عبثيا ومريبا. يتمثل العبث فى أمور عدة. إذ ليس مفهوما أن يتخذ إجراء قانونى بحق واحد من المرشحين للرئاسة فيخرج أنصاره للتظاهر والاعتصام فى الشارع لمدة أسبوعين، وتستثمر فى ذلك حالة الفوضى السائدة فى ميدان التحرير. وإذا كنا قد فهمنا ودافعنا عن خروج الناس للتظاهر فى الميدان لإعلان رأى المجتمع فى القضايا العامة، فليس مقبولا أن يوظف الميدان لصالح أية قضية خاصة، مهما كان شأن صاحب هذه القضية من العبث أيضا أن يعتصم أمناء الشرطة أمام مقر وزارة الداخلية ناهيك عن محاولة اقتحام المبنى، ذلك أننا نعرف أن وزارة الداخلية هيئة نظامية لها تقاليدها واجبة الاحترام، ثم إن الوزارة لا تختزل فى شخص الوزير وإنما هى جزء من هيبة الدولة وكيانها. أما تحسين أوضاع أمناء الشرطة أو التظلم من سياسة الوزير فله أبواب أخرى. أحدها استجوابه فى مجلس الشعب أو محاسبته أمام لجنته المختصة.
من العبث أيضا أن يتوجه المعتصمون والمتظاهرون إلى وزارة الدفاع لتوصيل رسالة يمكن توصيلها بوسائل أخرى، ولا أتخيل أن يفكر أحد فى اقتحام مقر الوزارة، الأمر الذى يعد أعلا درجات العبث واللامسئولية. من العبث كذلك أن تقف مختلف القوى السياسية متفرجة أمام ما يجرى، وكأنها غير معنية بإثارة الفوضى أو الاجتراء على هيبة الدولة.
حين تتعدد مشاهد العبث على ذلك النحو، وتتزامن مع إشعال ثلاثة حرائق كبرى فى بعض مدن الدلتا، ويحدث ذلك فى أجواء الإعداد للانتخابات الرئاسية فإن من حقنا أن نتساءل عما إذا كانت تلك مجرد مصادفة، أم إشاعة الفوضى للتذرع بها فى تأجيل الانتخابات مستهدف من ذلك التتابع. وهو سؤال يبدو منطقيا خصوصا إذا تذكرنا أن تفجير أحداث شارع محمد محمود كان الهدف منه تأجيل الانتخابات النيابية. ليست لدى إجابة على التساؤل ولكن الخبرة علمتنا أن نحذر ونرتاب لأن هناك كثيرين من الأقربين والأبعدين يتمنون للثورة أن تفشل، فى حين يمثل نجاحها كابوسا يلاحقهم طول الوقت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق