سقطت غرناطة سنة 897هـ وسقطت معها دولة الإسلام في الأندلس، وسقط معها مسلمو الأندلس في دوامة لا تنتهي من العذاب والنكال وطمس الهوية والفتنة في الدين والإجبار على الكفر والردة فبعد استيلاء الصليبيين الأسبان على غرناطة ألزموا المسلمين هناك بضرورة التنصر أو الرحيل وترك الديار والأموال وحتى الأولاد دون الثانية عشرة وراءهم، فاضطر كثير من المسلمين البقاء في الأندلس مع التظاهر بالنصرانية، وأطلق على هذه الطائفة اسم «الموريسكيين».
ولكن ظلت هذه الفئة الجديدة في المجتمع الأسباني الخالص النصرانية، موضع شك وريبة من قساوسة الكنيسة الإسبانية الذين كانوا يشعرون بأن الموريسكيين مازالوا في داخلهم مسلمين، لذلك أنشأ الكاردينال «خمينس» أشد الناس عداوة للإسلام والمسلمين مجلس التفتيش أو التحقيق للتأكد من صحة تنصر هؤلاء المسلمين، وهذا الديوان كان أشبه ما يكون بجهنم، وقد سيق إليه المسلمون بالآلاف حيث صنوف العذاب ما يعجز عن وصفه القلم، وذلك كله باسم حماية العقيدة الكاثولكية التي فشل القساوسة والرهبان الأسبان في إقناع المسلمين بها.
وظل الخط البياني لاضطهاد الموريسكيين في تذبذب حتى وصل لذروة سنامه أيام الإمبراطور «فليب الثاني» حفيد فرناندو وإيزابيلا فاتحي غرناطة، وكان «فليب الثاني» مثل جدته «إيزابيلا» يضطرم بروح صليبية خالصة العداء للمسلمين، واقفًا تحت تأثير الأحبار والرهبان، لذلك اشتد هذا الإمبراطور الصليبي في مطاردة الموريسكيين وفرض المراسيم والغرامات الفادحة عليهم.
كان الموريسكيون رغم تنصرهم الظاهري إلا أنهم قد حافظوا على ارتداء الثياب العربية ويتحدثون بالعربية كوشيجة أخيرة للإسلام في قلوبهم، وكان الأسبان يرون في ذلك دليلاً على بقاء الموريسكيين على الإسلام ومنع النصرانية من التغلغل في قلوبهم، فأصدر «فليب الثاني» قرارًا تم نشره يوم 11 جمادى الآخرة 974هـ الموافق الأول من يناير سنة 1567م وهو يوم سقوط غرناطة والذي اعتبر عيد أسبانيا القومي، ويقضي على الموريسكيين تحريم استعمال اللغة العربية وارتداء الملابس العربية، ويحظر على النساء التحجب وعليهن أن يكشفن وجوههن، ويحرم استخدام أي شيء من العادات العربية حتى الحمامات العربية تهدم فورًا، وبالجملة كان هذا الفرمان الصليبي الهمجي لتسديد الضربة القاتلة لبقايا الأمة الإسلامية الأندلسية وطمس هويتها بالكامل.
وقد أدى هذا الفرمان لاشتعال ثورة كبيرة بالأندلس قام بها الموريسكيون كانت من أكبر وأعنف ما قام بها الموريسكيون وأيضًا كانت الأخيرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق