
هذه المعلومات استفزت الدكتور عماد عبدالغفور رئيس حزب النور. فقال إن هذه الجماعة المجهولة لو كانت لديها الشجاعة وكانت صاحبة قضية حقا فلماذا لم تعلن عن القائمين عليها، ولماذا آثرت أن يظلوا أشباحا، الأمر الذى يثير شكوكا قوية حول حقيقتها. أحلت السؤال عنهم إلى اللواء عادل عفيفى رئيس حزب الأصالة السلفى. فقال إنها مجموعة مشبوهة وخبث أغراضها مفضوح. وهى فى كل أحوالها قادمة من خارج التيار السلفى، ولا يستبعد أن تكون قادمة من خارج مصر كلها.
لم يكن ذلك وحده المحير فى الأمر، لأن ما حدث بعد ذلك ضاعف من الحيرة والشكوك. فقد نشر صبيحة الأول من يناير أن بعض السلفيين ذوى اللحى والجلابيب البيضاء حاولوا إجبار رجل على ترك سيارة لنقل الركاب فى الزقازيق بحجة أنها للسيدات فقط. وقد حاول الرجل إقناعهم بأن زوجته بين الراكبات وستضل الطريق لو تركها تذهب لوحدها، لكنهم أصروا على إنزاله، الأمر الذى انتهى باشتباك بين الطرفين ومغادرة الرجل وزوجته للسيارة.
فى مساء اليوم ذاته نشر الموقع الإلكترونى لإحدى الصحف الصباحية أن بعض السلفيين أصحاب اللحى الذين يرتدون الجلابيب البيضاء ــ أيضا ــ ظهروا فى مدينة بنها بمحافظة القليوبية، واقتحموا بعض المحال التجارية ومحلات الملابس ومحلات تصفيف الشعر، وطالبوهم بتعيين فتيات ملتزمات والالتزام ببيع ثياب محتشمة، وطالبوا العاملين بمحلات تصفيف الشعر بالانصراف والبحث عن الكسب الحلال. كما ان مجموعة أخرى من السلفيين قامت بتحطيم أشجار أعياد الميلاد الموجودة بالشوارع وأمام المحال التجارية.
حين سألت من أعرف من المراسلين الصحفيين والمسئولين فى المدينتين عن صحة الخبرين، فإنهم نفوا كل التفاصيل المذكورة، ونقل أحدهم على لسان أحد قيادات جهاز الأمن القومى فى بنها قوله: منذ متى تظهر أشجار أعياد الميلاد فى شوارع المدينة؟!
بالتوازى مع الأخبار المختلقة ظهرت على الفيس بوك صورة لمجموعة من السلفيين الذين أطلقوا نفس اللحى وارتدوا نفس الجلابيب البيضاء، وهم يلاحقون بعض الشبان بالعصى بينما جنود الأمن المركزى يتفرجون عليهم. وكان التعليق الذى تحت الصورة يحذر ويخوف من اتساع نطاق الغارة التى يشنها السلفيون على المجتمع، إلا أن واحدا ممن قرأوا التعليق فضح الصورة، وذكر أنها منتحلة ومأخوذة من فيلم سينمائى عرض باسم «دكان شحاتة»!
هذه هى الخلفيات التى دعتنى إلى طرح السؤال أعلاه، لأننى أشك فى أن يكون تكثيف تلك الحملة قبل أيام من الجولة الثالثة من الانتخابات مجرد مصادفة. وهو ما يستصحب أسئلة أخرى هى: (1) هل هناك عقل وراء الحملة أراد إضعاف التصويت للسلفيين، ومن يكون؟ ــ (2) هل الاختلاف مع السلفيين يبرر الدس والاختلاق فى حين أن لدينا أكثر من حجة قوية ونزيهة لنقد الفكر السلفى ورد مقولاته؟ ــ (3) ألا يخشى من أن تؤدى مثل هذه الحملة إلى الترويج للفكر السلفى فى أوساط بسطاء المتدينين، فنكون بذلك قد حاصرناهم فى الانتخابات (التى تنتهى اليوم) ووسعنا من قاعدتهم فى الشارع؟
كنت يوم السبت الماضى 31/12 قد كتبت تعليقا فى المكان تحت عنوان «أحمقان». قلت فيه أنه أحمق من يظن أنه يمكن أن يحمل الناس على تغيير سلوكهم بالأمر، وأحمق من يصدق أن بوسعه أن ينجح فى ذلك. لكننى الآن أضيف أحمقا ثالثا إليهما هو: من ينشر مثل هذه الفرقعات والأكاذيب ويروج لها