آخر الأخبار

التواصل

دنيا البنات

11 نوفمبر 2011

مبارك فى إجازة بدون أجر ...بقلم :فهمي هويدي

فهمي هويدي
أغلب الظن أن أحدا لم ينس بعد أن ثورة قامت فى مصر يوم 25 يناير، وأن تلك الثورة كانت تعبيرا عن غضب المصريين الذين انتفضوا دفاعا عن كرامتهم التى أهدرها النظام الذى اقترن فى ظله الاستبداد بالفساد والظلم الاجتماعى. ولم يكتف بإذلال المصريين ونهب ثروة البلد وإنما ذهب إلى أبعد حين أهان مصر ذاتها وحولها إلى بلد تابع للسياسة الأمريكية، وصار رئيسها «كنزا استراتيجيا» لإسرائيل كما قال أحد وزراء الحكومة العبرية، وحين صغرت فإنها لم تفقد ريادتها فحسب وإنما جرت وراءها العالم العربى الذى أصبح أصغر قامة وأقل قيمة.

لا أريد أن أفصل فى حيثيات هذا المنطوق، خصوصا أن ما أتحدث عنه يمثل واقعا عاشه كثيرون. لكننى أردت أن أذكر بهذه الخلفية، وأن أنبه إلى أن ذلك كله تم فى ظل النظام الذى قاده الرئيس حسنى مبارك طوال ثلاثين عاما، وأراد تأبيده حين أصر على أن يورثه لابنه.

لا غرابة والأمر كذلك فى أن يصر المصريون الغاضبون على إسقاط مبارك ورحيله. ولم يكن غريبا أيضا أن يصر الغاضبون على محاكمته هو ورجاله، ولا يجد المجلس العسكرى مفرا من إحالته إلى محكمة الجنايات التى باشرت تلك المهمة ولاتزال.

إذا سأل سائل عما دعانى إلى استعادة ما بات معلوما بالضرورة للكافة فى مصر على الأقل، فردى باختصار أننى صرت أشك فى أن بعض المسئولين فى البلد نسوا كل ذلك. وقد أيد ذلك الشك عندى ما نشرته صحيفة التحرير يوم الثلاثاء 8/11 حول مبارك فى العيد. إذ ذكرت أن اثنين من وزراء الحكومة الحالية التى جاءت بعد الثورة على مبارك ونظامه اتصلا هاتفيا به لتهنئته بالمناسبة. والاثنان هما وزير البيئة ماجد جورج ووزير الكهرباء حسن يونس (نفى الخبر لاحقا لكن الجريدة أكدت صحته) ومن الذين هنأوه بالعيد وزير الاستثمار السابق محمود محيى الدين ووزير الخارجية الأسبق أحمد أبو الغيط، أما ما كان مثيرا للدهشة فإنه تلقى مكالمات هاتفية من أعوانه فى سجن طرة (الذى قتل فيه قبل أسبوعين شاب بعدما عوقب لأنه هرب شريحة هاتف محمول!). هؤلاء الأعوان كانوا الثلاثى فتحى سرور وصفوت الشريف وحبيب العادلى. وحسب التقرير المنشور فإن سرور قال له إن الوضع فى مصر سوف يشتعل، وأن كارثة ستحدث بسبب الانتخابات التشريعية وستأكل الأخضر واليابس.

فى التقرير أيضا أن ثلاثة من كبار المسئولين فى الدولة قاموا بزيارته بمناسبة العيد وأن قرينة الرئيس السابق استقبلتهم. كما زاره الأمين السابق لرئاسة الجمهورية أشرف بكير وقد أحيطت العملية بسرية لأنهم دخلوا إلى المركز من بابه الخلفى.

هذه المعلومات إذا صحت فإن لها دلالة سياسية تستحق الوقوف عندها. وهى أنه إذا كان الشعب قد ثار على مبارك ورجاله وقرر إسقاطهم جميعا ومحاكمتهم على ما اقترفوه بحقهم من جرائم طيلة الثلاثين سنة الماضية، فإن الذين تولوا السلطة بعد الثورة لا يعبرون بالضرورة عن الموقف ذاته، أو قل إنهم ليسوا على خصومه مع مبارك ونظامه بذات الدرجة التى عبر عنها الثائرون الذين خرجوا فى 25 يناير. ولأن الأمر كذلك فالحقيقة أن الرئيس السابق ورجاله لا هم فى سجن حقيقى، وتقديمهم إلى محكمة الجنايات ليس مأخوذا بالجدية الكافية، وفيه من استرضاء الرأى العام بأكثر مما فيه من المحاسبة والمساءلة عما ارتكب بحق المجتمع من جرائم سياسية واقتصادية. وهذا التدليل الذى يعاملون به فى مقار إقامتهم هو من ضرورات الملاءمة السياسية التي تضع مشاعر الثائرين فى الاعتبار. يؤيد هذا الانطباع أيضا ذلك التسويف فى محاكمة الرئيس السابق، الذى تبدى فى حكاية رد المحكمة. وهو الطلب الذى كان يمكن حسمه فى نصف ساعة، ولكن تأجل القرار فى شأنه لمدة شهرين.

إزاء ذلك فلعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن مبارك ورجاله أعطوا بعد الثورة إجازة مفتوحة بغير أجر، وطلب منهم ضمنا أن «يستريحوا» بعيدا عن الأنظار حتى تنجلى الأزمة. لا تنس ما نشر عن أن العادلى حين ذهب للعلاج فى مستشفى الشرطة فإن رجاله أحاطوا به قائلين (شدة وتزول يا باشا)!

إن أهداف الثورة لم يتحقق منها شىء ملموس حتى الآن، باستثناء شىء واحد هو تنحية مبارك عن منصبه. وتكاد القرائن المتوافرة تشير إلى أن ذلك الإنجاز بات مشكوكا فى صحته ـ ترى هل نحتاج إلى خروج مليونية جديدة تطالب بتنحيته فعلا لا قولا فقط؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق