آخر الأخبار

التواصل

دنيا البنات

20 نوفمبر 2011

جناية النخبة ...بقلم : فهمي هويدي


صباح أمس (السبت 19/11) كان العنوان الرئيسى لإحدى صحف الصباح كالتالى: الإسلاميون يستعرضون القوة فى «التحرير» وتحت التقرير المنشور أبرزت الصحيفة عنوانا آخر يقول: الأحزاب المقاطعة تصف المليونية بجمعة «قندهار». وفى ذيل الصفحة تقرير ثالث ذكرت عناوينه أن محررتين بالصحيفة المذكورة ذهبتا إلى ميدان التحرير بالنقاب والخمار لاستطلاع موقف السيدات المشاركات. وكان العنوان كالتالى: الإخوانيات يخلصن فى الهتاف من أجل الثواب. ومع التقرير صورة لثلاث سيدات منتقبات، اثنتان هما محررتا الجريدة!
 
الانطباع الذى يخرج به المرء من مطالعة التقارير الثلاثة وصورة المنتقبات يتلخص فى أن ما جرى فى ميدان التحرير بالقاهرة لم يكن سوى استعراض للجناح المصرى فى حركة طالبان، بما يستصحبه ذلك من تداعيات فى الذهن العام تستحضر التجربة الأفغانية وتنظيم القاعدة وجبال تورا بورا وبيانات الملا عمر وأسامة بن لادن والدكتور الظواهرى.

صحيح أن ذلك الموقف لم يكن مقصورا على الصحيفة المذكورة، وأن منابر إعلامية أخرى عبرت عنه، إلا أن الجرعة التى أبرزتها الصحيفة أمس كانت أكبر من غيرها. وظل القاسم المشترك الأعظم بين الجميع هو معالجة المشهد المصرى من منطلق عقائدى وليس سياسيا. وكان المنظر فى ميدان التحرير أمس دالا بقوة على غير ذلك. آية ذلك أن الهتافات والخطب التى القيت كانت كلها تتحدث عن إدانة وثيقة الدكتور على السلمى ومطالبة المجلس العسكرى بالإسراع فى تسليم السلطة للمدنيين. بما يعنى أن الذى احتشدوا فى الميدان كانوا مواطنين أولا لهم رأى فى الشأن السياسى يمكن الاتفاق عليه أو الاختلاف معه، وشاءت الظروف أن أغلبهم كانوا من المنتمين إلى التيار الإسلامى باختلاف فصائله، وأقول «أغلبهم» لأن هناك آخرين من خارج ذلك التيار تضامنوا مع ذلك الموقف وذهبوا إلى الميدان لكى يعلنوا عن غضبهم واحتجاجهم على الوثيقة وعلى سياسة المجلس العسكرى.
ما أريد أن أقوله إن ثمة إصرارا من جانب بعض الأبواق والمنابر على قسمة البلد معسكرين أو فريقين. الإسلاميون فى جانب والعلمانيون والليبراليون فى جانب آخر. وتلك قسمة خاطئة وخطره فى ذات الوقت. هى خاطئة لأنها تتبنى خطاب النخب وبعض المثقفين الذين ينتمون إلى أجيال ظلت تصارع فى الساحة السياسية المصرية طوال نصف القرن الأخير على الأقل. وهؤلاء أسقطوا خلافاتهم على الشارع وجروا وراءهم آخرين، فى حين أن تلك الصراعات التى جرى إحياؤها على النقيض تماما من روح ثورة 25 يناير، التى صهرت الجميع فى بوتقة الوطنية المصرية. وهى خاطئة أيضا لأنه ليس صحيحا أن معارضة الوثيقة ومطالبة المجلس العسكرى بالإسراع فى تسليم السلطة للمدنيين من الأمور المقصورة على الإسلاميين وحدهم. لأن كثيرين من الوطنيين الغيورين على مستقبل البلد أعربوا عن ذلك الموقف. وقد نشرت جريدة «المصرى اليوم» فى 9/11 مقالة بهذا المعنى للدكتورة منار الشوربجى واعتبرت أن تصنيف المعارضين وفقا لهوياتهم وانتماءاتهم الفكرية عبث لا تملك مصر ترف الوقوع تفيه، فى اللحظة التاريخية الحاسمة التى تمر بها البلاد.

على صعيد آخر، فإن هذه قسمة تمهد لاستقطاب خطر، يعطى انطباعا لدى العوام يشكك فى احتقان الذين يقفون فى المعسكر المعارض للإسلاميين يستبعد أن يكونوا غير إسلاميين، الأمر الذى يغير من طبيعة الاصطفاف على النحو الذى يضر ضررا بالغا بالذين يقفون فى معسكر العلمانيين والليبراليين، ويصورهم بحسبانهم ضد الإسلام ذاته، وليسوا مختلفين سياسيا مع الجماعات الإسلامية.

من المفارقات التى تثير الانتباه فى هذا الصدد أن العلمانيين والليبراليين ينتقدون ما يعتبرونه احتكارا للإسلام من جانب الإسلاميين، فى حين أنهم لا يترددون فى احتكار العديد من القيم السياسية الإيجابية، مثل التعددية والحداثة والتنوير ومدنية المجتمع. وهذه الفجوة لا يمكن تجاوزها إلا إذا أدير الصراع على قاعدة الخلاف السياسى وليس الهوية العقائدية.

فى مواجهة هذا المأزق لا مفر من الاعتراف بمسئولية النخبة فى مصر عن الاحتراب والتشرذم الحاصلين.. وقد أقر بتلك المسئولية كاتب ليبرالى وطنى هو الدكتور وحيد عبدالمجيد الذى نشرت له المصرى اليوم مقالة تحدث فيها عن «جناية النخبة على الوطن» (18/11) كما تحدث عنها كاتب وطنى قبطى آخر هو الأستاذ سامح فوزى فى مقالة نشرتها صحيفة الشروق قال فيها إننا بحاجة إلى نخبة جديدة بديلا عن النخبة السياسية الراهنة «التى ألقت بالمجتمع فى التيه الفكرى والاستقطاب» (الشروق 19/11).

هل غدت النخبة جزءا من مشكلة مصر بعد الثورة بدلا من أن تصبح أملها فى الحل؟

هناك تعليق واحد:

  1. إن النخبة تحدثنا دائماً بنبرة التعالى وأنهم وحدهم من يفهمون ويعلمون ويحللون وأن لهم فقط حق تقرير المصير ولديهم تضخم فى النقد والتحليل والهدم ، وأننا نحن الشعب الجهلة السذج الذى سوف يضحك علينا الاخوان وأن لا نستطيع اختيار النواب أو اختيار من يكتب الدستور مع أن الشعب بفطرته لديه ذكاء يعجز مثلهم أن يصل إليه ، وأنهم فقط يصدعون رؤسنا صباح مساء فى كل الجرائد والفضائيات .

    ردحذف