قال أحد الشباب: (أحلم ليل نهار بالزواج، بالارتباط بمن تبادلني الحب، وأجد عندها الراحة والسكن؛ لذلك فأنا أعمل بجانب دراستي لأوفر المال لتحقيق هذا الحلم).
وقالت إحدى الفتيات: (عندي الآن أربعة وعشـرون عامًا ولم أتزوج إلى الآن، وأخاف أن تمر السنوات سريعًا وأجد نفسـي في الثلاثين، وأنضم إلى قافلة العوانس).
إنه حلم كل شاب وكل فتاة، والقضية التي تشغلهم خصوصًا بعد سن العشرين، فإذا سألت أحدهم في هذه السن: ما هو أول شيء تفكر فيه؟ يقول: الزواج، حلم جميل أن يبني بيتًا، أن يتزوج، يأوي إلى رفيق الحياة، يبني معه الآمال والأحلام، يسكن ويهدأ ويرتوي من نبع الحب الشريف.
قرة أعين:
إن من أهداف ومقاصد الزواج السكن والراحة والمودة بين الأزواج؛ فالزواج قرة للعين، وفرحة للقلب، ومسرة للنفس، وانشـراح للصدر، وسعادة للروح.
يقول تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: ٧٤]، إن عباد الرحمن يرجون أن يقر الله أعينهم بذرية تعقبهم وتخلفهم، وأن يقر أعينهم كذلك بأزواج من ذات الجنس البشـري، تسكن إليهن النفوس، وتأوي إليهن الأفئدة، يشعرون معهن بالسكن والألفة.
حاجة ملحة:
(وبالرغم من أن العلاقة الحميمة مقارنة بغيرها من جوانب الزواج عملية بسيطة، إلا أنها من أكثر المواضيع التي كُتب حولها وتم الحديث عنها، وأُسيئ فهمها في الزواج، والكثير من التركيز على العلاقة الحميمة وما نتج عنه من شقاء في العلاقة الزوجية هو في معظم الحالات يعود إلى المغالطات والخرافات المرتبطة بدور تلك العلاقة العظيمة في حياتنا) [حان الوقت لزواج أفضل، جون كارلسون، ودون دينكماير، ص(103)].
العلاقة بين الجنسين هي حاجة بيولوجية ملحة، لكنها قائمة على أساس المودة والرحمة ليقوم كل منهما بدوره في تحقيق المقاصد الاجتماعية والحضارية المترتبة على الزواج، ويتحقق لكلٍّ منهما الاطمئنان والسكينة والاستقرار، وهي الشـيء الضـروري لمنحها القوة والإمكانية لتحقيق أهداف المجتمع.
(وتشمل الحاجة الاجتماعية والنفسية إلى الزواج أربعة عناصر مترابطة، يتداخل بعضها في بعض؛ وهي: الحاجة إلى السكن النفسي بالزواج، والحاجة إلى الشعور بالنوع وتحقيقه، والحاجة إلى الإشباع الغريزي، والحاجة إلى تحقيق التكامل بالزواج) [المراهقون دراسة نفسية إسلامية للأدباء والمعلمين والدعاة، عبد العزيز النغيمشي، ص(83)].
آيات توجب التسبيح:
لقد بيَّن الله تعالى أن هذا الزواج، وهذا اللقاء آية من آيات الله في الكون، بل وعجيبة من عجائب القدرة، فمن بين آيات الله في الكون والوجود والسموات والأرض؛ يقول تعالى:{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:٢١].
فسبحان الله العظيم، إنها آية أن خلق الله الزوجة من نفس الزوج، وآية أن جعل الزوجة سكنًا للزوج، وآية أن جعل بينهما مودة ورحمة، إنها بالفعل آياتٍ تحمل من تفكر بها على أن يلهج قلبه ولسانه بالتسبيح.
(والناس يعرفون مشاعرهم تجاه الجنس الآخر، وتشغل أعصابهم ومشاعرهم تلك الصلة بين الجنسين، وتدفع خطاهم وتحرك نشاطهم تلك المشاعر المختلفة الأنماط والاتجاهات بين الرجل والمرأة، ولكنهم قلما يتذكرون يد الله التي خلقت لهم من أنفسهم أزواجًا، وأودعت نفوسهم هذه العواطف والمشاعر، وجعلت في تلك الصلة سكنًا للنفس والعصب، وراحة للجسم والقلب، واستقرارًا للحياة والمعاش، وأنسًا للأرواح والضمائر واطمئنانًا للرجل والمرأة على السواء.
والتعبير القرآني اللطيف الرفيق يصور هذه العلاقة تصويرًا موحيًا، وكأنما يلتقط الصورة من أعماق القلب وأغوار الحس:{وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: ٢١].
فيدركون حكمة الخالق في خلق كلٍّ من الجنسين على نحو يجعله موافقًا للآخر، ملبيًا لحاجته الفطرية: نفسية، وعقلية، وجسدية؛ بحيث يجد عنده الراحة والطمأنينة والاستقرار، ويجدان في اجتماعهما السكن والاكتفاء والمودة والرحمة؛ لأن تركيبهما النفسي والعصبي والعضوي ملحوظ فيه تلبية رغائب كلٍّ منهما في الآخر، وائتلافهما وامتزاجهما في النهاية لإنشاء حياة جديدة تتمثل في جيل جديد) [في ظلال القرآن، سيد قطب، (5/485)].
واحة النفس والجسد:
في ظل الزواج يتهيأ لكلٍّ من الزوجين تحقيق اللذة للنفس والجسد عن طريق السكن، والذي يشمل سكن النفس وسكن الجسم.
والمودة والرحمة من أجمل المشاعر التي خلقها الله، وهي في الوقت نفسه متعة في ذاتها، فإذا اجتمعت معها تلبية احتياجات الجسد الذي يساعد عليه الغريزة المركبة في الناس، كملت هذه المتعة.
(وممارسة العلاقة الحميمية أمر مهم جدًّا في الزواج، فهو يقوي الروابط بين الزوجين، ويوثق عرى الزواج، إن هذه العلاقة تعني التواصل، القرب، الحميمية، العطاء، البركة، العاطفة، واللذة والاستمتاع والمرح) [زوج صالح زواج ناجح، روبرت مارك ألتر، ص (260)].
وابتغاء هذا المتاع والسكن بالزواج مطلوب شرعًا، بل هو من الأسباب التي توصل إلى مرضاة الله سبحانه.
الثرى والثريا:
في ظل الزواج يتحقق للإنسان الشعور بالرضا والسعادة والراحة النفسية والجسدية؛ حيث تتصـرف غريزته في مجالها النظيف الطاهر، وحيث ينشأ بين الزوجين الوفاء والحب الحقيقي القائم على الود والرحمة والمشاركة، لا ذلك الميل الحيواني القائم على تفريغ الشهوة دون وجود الوفاء والرحمة.
وشتان بين مشاعر الأزواج وبين مشاعر الزناة والزواني، فبينهما كما بين الثرى والثريا، وما بين السماء والأرض؛ فالأولى مشاعر سامية نقية طاهرة يحفها الأمان والاطمئنان والسكينة وطيب النفس.
أما الثانية فهي حيوانية شهوانية، محدودة بلذة جسدية وتنتهي بانتهائها، ولا يمكن أن يصحبها أي شعور بالاحترام والود والوفاء، بل على العكس من ذلك؛ فهناك شعور بالاحتقار والازدراء والامتهان، فهو يحتقرها لموافقتها على عمله الخبيث، وتفريطها في نظافتها، وهي تحتقره حيث استغل جمالها أو ضعفها الأنثوي وميلها الطبيعي.
وتلك المشاعر تولد العقد والأمراض النفسية، بالإضافة إلى ما تنتهي إليه من أمراض بدنية؛ كالإيدز وغيره من الأمراض الخطيرة، والتي يكون الزنا هو سببها الرئيسي.
وما أجمل مشاعر الأزواج النظيفة، تلك التي تورث الحب والرحمة وسمو النفس وحياة الضمير والقلب: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:٢١].
وسبحان من جعل بين الزوجين هذا التقارب والتآلف، بعدما كانا غريبين قبل الزواج، وما إن جمعت بينهما هذه الوشيجة حتى صارا متآلفين متقاربين تذوب من بينهما الحواجز.
لذة تُذَكِّر بالآخرة:
إن كان الزواج متعة وسكن في الدنيا عندما يأوي كل من الزوجين إلى شريكه، ويأنس به، ويتلذذ بقربه، ويعف نفسه معه، فإن في الآخرة لذة أبقى أعدَّها الله للمؤمنين والمؤمنات، كما قال الغزالي في إحيائه: (ولعمري في الشهوة حكمة أخرى سوى الإرهاق إلى الإيلاد، وهو ما في قضائها من اللذة التي لا توازيها لذة لو دامت، في منبهة على اللذات الموعودة في الجنان؛ إذ الترغيب في لذة لم يجد لها ذواقًا لا ينفع) [إحياء علوم الدين، الغزالي، (1/451)].
من أخبار المحرومين:
يقول الدكتور "هافليرج" مدير مستشفى الأمراض العقلية بنيويورك: إن عدد الذين يدخلون المستشفيات العقلية نسبتهم عادة أربعة من غير المتزوجين إلى واحد من المتزوجين، وتدل الإحصاءات التي قام بها "برتلون" على أن حوادث الانتحار بين غير المتزوجين أكثر منها بين المتزوجين، كما أن المتزوجات مع ما يعانينه من متاعب الولادة والأمومة ومشكلات الحياة الزوجية واليومية، غالبًا ما عمَّرن أطول من زميلاتهن اللواتي يقضين حياتهن عانسات.
وفي دراسة أُجريت بمركز أبحاث مكافحة الجريمة في المملكة العربية السعودية على 1918 شابًّا، لدراسة الاتجاه العام الذي يسلكه هؤلاء الشباب في قضاء وقت الفراغ؛ تبين من خلال الدراسة مدى استقرار المتزوجين من هؤلاء الشباب، بينما غير المتزوجين منهم ينزعون إلى المسالك الانفعالية؛ مثل: معاكسة الفتيات، والتعصب الرياضي، والتفحيط ... وهو ما يشير إلى عدم الاستقرار
فمن أهداف الزواج إذًا ومقاصده: تحقيق السكن والحب والمودة والرحمة والراحة والاطمئنان، كل هذه المعاني والمشاعر التي يجدها الإنسان في الزواج في ظل شرع الله الحنيف.
ورقة عمل:
ـ ليتذكر الزوجان أن الزواج إنما شرع لتحقيق السكن والمودة والرحمة بين الزوج والزوجة، ولذا يجب أن تنطبع تصرفات الزوج أو الزوجة بذلك في حياتهما، فنجد التراحم بينهما، والحب الصادق، وتقديم المساعدة، والتزين الجميل وغيرها من الوسائل المعينة على تحقيق المودة والرحمة.
ـ أختي الزوجة "كوني له أنثى يكن لكِ رجلًا" فإذا أردت أن تملكي قلب زوجك عليكِ أن تفعلي أشياء صغيرة مع زوجكِ تملكِ بها قلبه، كأن يراك مرتدية ما يحبه من ملابس، وتتزيني له، وتضعين العطر الذي يسعد حينما يشمه منكِ.
المصادر:
· حان الوقت لزواج أفضل، جون كارلسون، ودون دينكماير.
· إحياء علوم الدين، الغزالي.
· زوج صالح زواج ناجح، روبرت مارك ألتر.
· المراهقون دراسة نفسية إسلامية للأدباء والمعلمين والدعاة، عبد العزيز النغيمشي.
· في ظلال القرآن، سيد قطب.
منقول عن /أم عبد الرحمن محمد يوسف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق